تاريخ العلاج الطبيعي



تشير كتب التاريخ والمقالات العلمية  أن مهنة العلاج الطبيعي تعد من أقدم المهن على وجه الأرض و أن أطباء أمثال أبقراط وبعده جالينوس كانوا هم أول من مارسوا العلاج الطبيعي، وتقنيات العلاج اليدوي و العلاج بالماء لعلاج المرضى  في عام 460 قبل الميـلاد. وحتى وقت حديث نسبيًا يعرف المنتسبين إلى هذه المهنة بــ“مساعدو إعادة التأهيل”. كما ينسب أهل الإختصاص النهضة الحقيقية لمجال العلاج الطبيعي إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة لإعادة تأهيل مصابين الحروب حيث يشكل إعادة تأهيلهم هاجسًا كبيرًا في ذلك الوقت على الدول التي تحتضن عدد كبير من مصابين الحروب.

وحفز هذا الهاجس حركة البحوث العلمية والسريرية في العلاج الطبيعي والتأهيل عالميا منذ قرابة العام 1945. وكان يتألف العلاج في الأربعينات في المقام الأول من التمرين. ومع بداية الخمسينات ومحصلة لازدهار البحوث العلمية والطبية بدأت تظهر أولى تخصصات ومدارس العلاج الطبيعي في ممارسة العلاج اليدوي للعمود الفقري، وخصوصًا في بلدان الكومنولث البريطاني. وفي وقت لاحق من ذلك العقد، بدأ العلاج الطبيعي في تجاوز الممارسة داخل المستشفيات لصالح المرضى المنومين، إلى المرضى الخارجيين في عيادات العظام، والمدارس العامة  والجامعات, ومراكز إعادة التأهيل  وبيوت الشيخوخة. ومنذ بداية العام 1960 بدء ما يعرف بالنهضة الحديثة على مستوى البرامج التعليمية والتعليم الجامعي والدراسات العليا في تخريج متخصصين في العلاج الطبيعي على مستوى عالي من المهنية والاحترافية في العمل الإكلينيكي والبحثي.

ويذكر المختصين والباحثين أن مهنة العلاج الطبيعي في هذا العقد  تعيش أزهى أيامها وذروة نشاطها  العلمي والفكري والبحثي والإبداعي. وأصبح تحت مظلة العلاج الطبيعي تخصصات متنوعة ودقيقة كتخصص الرعاية القلبية والعلاج التنفسي , والعلاج الكهربائي , ورعاية المسـنين , وصحة المرأة , وتأهيل الأمراض العصبية , وجراحة العظام , والأطفال , والطب الرياضي. ويضاف إلى التخصصات السابق ذكرها تخصصات بصدد أن تكون مستقلة بذاتها في الأعوام القادمة كالأورام والرعاية الأولية والطوارئ وتأهيل جراحة الفكين وجهاز التوازن بالأذن الوسطى والدوار والدوخة فور اعتمادها من الاتحاد العالمي للمهنة والجمعيات العلمية والاتحادات الفدرالية الأكثر تأثيرًا بالعالم كالاتحاد الفدرالي الأمريكي للعلاج الطبيعي.

وقد استحدثت العديد من البرامج التعليمية الجامعية  التي تهدف إلى الارتقاء بمستوى العلاج الطبيعي مثل برنامج دكتور العلاج الطبيعي (DPT ) والذي بات من أهم متطلبات ممارسة المهنة بالولايات المتحدة الأمريكية , وبحلول عام 2020 لن يسمح لأي شخص وفقا للأنظمة والقوانين الموضوعة ممارسة مهنة العلاج الطبيعي دون حصوله على درجة دكتور في العلاج الطبيعي  (DPT ) وقد بدأت بعض الدول العربية في تنفيذ هذا البرنامج على أرض الواقع . وقد أضفى ازدهار المهنة ورقعة انتشارها ومدى تأثيرها على تصريحات الإقتصاديين المعنيين بالجانب الصحي وتصريحات المعنين بصحة المجتمع , حيث تشير تصريحاتهم ومقالاتهم وبحوثهم أن تدخل العلاج الطبيعي والتأهيل في المراحل الأولى لعلاج مرضى العناية المركزة المصابين بأمراض قلبية ورئوية على سبيل المثال قلل وبشكل ملحوظ جدًا الفترة الزمنية التي يقضيها المريض داخل أروقة العناية المركزة , وينطبق هذا المثال أيضًا على مرضى جراحة العامود الفقري والعظام والمفاصل. ويشير بحث منشور عام 2009 من قبل كلية طب جامعة فورست بولاية ساوث كالوراينا بالولايات المتحدة الأمريكية أن تدخل العلاج الطبيعي المبكر لتأهيل المرضى قلل الفترة الزمنية التي يقضيها المريض في العناية المركزة بواقع 3 أيام من إجمالي المدة الزمنية المفترضة كمتوسط في مثل هذه الحالات , وبالتالي وجود مختص في العلاج الطبيعي والتأهيل المبكر ضمن فرق العمل الطبي بالعناية المركزة قد قلل بواقع الحال تكاليف ورسوم العلاج والتنويم بواقع 30 %. علمًا أن نسبة الرضا  لدى المرضى المنومين والذين استفادوا من خدمات مختص في العلاج الطبيعي ضمن نطاق فريق العمل الطبي المعالج تجاوزت 90 % مقارنة بغيره من الطواقم الطبية التي لا تحتوي في مضمونها على مختص في العلاج الطبيعي والتأهيل المبكر .

وفي مستشفيات ضخمة وعريقة أمثال مايو كلينك و مستشفى هيوسن بالولايات المتحدة الأمريكية يعتبر أخصائي العلاج الطبيعي عضو أساسي ضمن فريق العمل الطبي ووسيلة أساسية لضمان سلامة المرضى وعنصر من عناصر “الجودة” أثناء فترة علاجهم لضمان سلامتهم وبعد خروجهم من المستشفى للإبقاء على مبدء السلامة والرعاية المتكاملة. ولوحظ بمختلف المقاييس الإحصائية أن فترة العلاج والتنويم تليها فترة المراجعات مع الطبيب المعالج في العيادات الخارجية قد قلة بنسب ملحوظه تتجاوز الــ 35% وما يترتب على ذلك من توفير مبالغ ومصروفات كبيرة جدا. مما حذى بمختلف شركات التأمين الطبي الكبرى بالولايات المتحدة الأمريكية الاستثمار في هذا الجانب من خلال صرف أموال طائلة للاستفاضة في هذا النوع من الأبحاث للأهداف اقتصادية بحتة ! ومن جانب آخر هناك عدد كبير من شركات التأمين الطبي الأهلي والحكومي في الدول الغربيـــة  قد بدء فعلًا بالشروع في فرض أنظمة وقوانين تلزم الكثير من المستشفيات والمراكز الطبية وجود مختص في العلاج طبيعي والتأهيل ضمن  فريق العمل الطبي في عدد معين من التخصصات لاتخاذ القرارات الطبية ضمن نطاق وصلاحيات محددة  تكمن في إعطاء الأولية للعلاج التحفظي قبل الجراحي دون أن يأثر ذلك بأي شكل من الأشكال على صحة وسلامة المريض.

هذا وتشير الكثير من البحوث التخصصية أن هناك عدد كبير جدًا من الإصابات الميكانيكية للعامود الفقري والرقبة وجهاز التوازن بالأذن الوسطى وباطن القدم بحاجة إلى تشخيص وعلاج ميكانيكي مماثل لعلاج الخلل الوظيفي أو العضوي. وأفضل من يقوم بهذا العمل هم فئة من المختصين بالعلاج الطبيعي مدربين ومؤهلين لعلاج مثل هذ هذه الحالات ,  وقد لوحظ أن عدد الجلسات العلاجية ومواعيد المتابعة مع الأطباء قلت بواقع 90 % في مثل هذه الحالات التي تتطلب تدخل العلاج التقويمي أو ” الميكانيكي ” لعدم جدوى العلاج التقليدي عن طريق الدواء فقط. وكل ما سبق ذكره في هذا المقال ينبئ بمستقبل مهني حافل يعيشه كل من ينتسب لهذه المهنة ولكل من يسفيد مما يقدمه أهل الإختصاص من خدمات تأهيلية ورعاية صحية.

وهذا بواقع الحال يفرض على المنتسبين لهذه المهنة مهمة أخرى تتمثل في زيادة الوعي الإجتماعي لتعريف الناس والمجتمع بصورة دورية عن واقع المهنة وأبعادها وخدماتها وأوجه قصورها , ولا يقتصر على هذا الجانب فقط بل زيادة الوعي لدى الكادر الطبي هو مطلب آخر وهام وذلك من خلال إقامة الندوات والمحاضرات الثنائية وورش العمل المشتركة لتفعيل الدور المهني المشترك لنعمل جميعا جنبا الى جنب في خدمة المريض أول وأخيرًا, ومن ثم تفعيل شتى الجوانب العلمية و البحثية للاستفادة من هذه المهنة الإقتصادية بامتياز والتي تعتمد بشكل كبير على مهنية وحرفية ممارس المهنة.

 د. عامر السيف

أستاذ مساعد – قسم العلاج الطبيعي , جامعة الملك عبدالعزيز


آخر تحديث
3/9/2013 10:12:24 AM
 

أضف تعليقك
الاسـم :
 
البريد الالكتروني :
 
رقم الجوال :
عنوان التعليق :
 
التـعـلـيـق :
 
أدخل الأحرف
الموجودة في الصورة :